السبت، ١٥ سبتمبر ٢٠٠٧

الغرق في بحر العجم

الغرق في بحر العجم


كلما صدر عدد من جريدة قومية كانت او معاضة, غالبا ما يطالعنا العنوان المألوف المأسوف على شخصو الواردين في طيات هذا الخبر. مجموعة من الشباب دفعوا ألوف الجنيهات هربا من الوطن الى السباحة طويلة المسافة في بحر العجم. ألوف من الجنيهات لا أعلم لما يدفعونها أو من أين قاموا بايجادها ليودعوها في جيب رجل غالبا ما يكون واردا في الحدث تحت عنوان (يدعى..فلان) عن طيب نفس. ثم تبدأ الرحلة المرتجاة نحو خيبة الأمل. تسافر الى ليبيا, ثم ترتجل قاربا يكافح الغرق لانه بطبيعة الحال منهار القوى لان وأد القارب الذي حوى في جنباته أنفاس المسافرين نحو بلاد العجم هو المآل في نهاية الترحال. ثم يبدأ اخي المواطن (جزافا) في السباحة ما لايقل عن خمس كيلومتر في عرض البحار الدولية والتى لا تقل ضراوة عن أنياب الأسد الجائع للفرائس, انما البحر مرتقبا لمجيء الفرائس التى لا تخيب آماله. ثم يظهر الخبر في الصحف جمعاء. بتفاصيل الحدث الممل تكرارها ولا أحد يفهم سواء كان القارىء أو المحرر لما تكرار التفاصيل. أم أن الاشارة ليست قوية المغزى وكل لبيب بالاشارة يفهم. أم أن الكثير فقد لبه.

خمس عشر ألف جنيه (على أقل الاخبار الواردة) يتم تسليمها الى رجل يدعى فلان. هذا المبلغ يستطيع به أخي المسافر أن ينشأ عملا أو يفتتح به محلا يبيع فيه من السلع في دولة تبتلع جميع المنتجات وتسعى جميع دول المعمورة الى انزال سلعها بها. لكن يبدو أن استخدام العقلية الاقتصادية ليست في متناول الجميع لانها ليس في الكتب الدراسية ربما.. ماذا عن اعمال العقل في الخطوة المرتقبة التنفيذ!؟ نحن امام دفع مبلغ كبير نسبيا من المال لرجل يدعى فلان, معطية أولى. سأسافر الى دولة اخرى لست مرحبا بها والقبض على وترحيلي شيء شبه متوقع الحدوث, معطية ثانية. اما المعطية الثالثة اني ساصارع موج البحر والقي جسدا منهكا على فيروز الشطآن ليأتى صديقى حرس الحدود ليجدني سهل المنال لا أقدر على الهروب أو الحركة, وأخيرا اني ساكون في دولة لا وجود لي فيها وسأظل طوال حياتي مهددا بالترحيل حتى أجد ساقطة ترحب بصموتي على عهرها وتتزوجني حتى أحصل على الاقامة, المعطية الرابعة. اذن فلقد راهنت بمالي وحياتي وكرامتي وشرفي (ماذا تبقى منك اذن؟) لأحصل على عمل. اما الاعمال المتاحة لامثالي هي غسيل الصحون (مكان لحوم الخنزير والخمور) أو أن اكون خادما في فندق( هذا ان كنت سعيد الحظ ولا داعي لتكدير الاذهان في الشهر الكريم).
بعد دراسة المعطيات والنتائج المترتبة على نجاحي في الصمود امام تلك الرهانات والتنازلات اؤمن ان كل من قام بها سفيه. لماذا نرحب بالغرق في بحر العجم ونحن أول من عبرناه بنور الحضارة وروح الحداثة, لماذا نلقي بكل ما نملك من مال وكرامة وعزة وشرف في قمامة الحياة لمجرد بضع أوراق لن تكفيك عيشا كفافا لان صاحب العمل (يمسكك من اليد التى توجعك) سيسرق اجرك عيانا وينظر اليك بامتهان فلتذهب الى قسم الشرطة واطلب حقك هناك. هل ستجروء على الذهاب حينها؟؟؟؟؟.

اننا امام اجساد شابة فقدت عقلها وأدعت السفه, لا أريد لك أخى المواطن ان تكون بلاكرامة وان تمتهن وان يتم الاعتداء عليك. اني معك في ان الحال في وطننا ليس بجيد, لكن هذا أعدى لان تكافح من أجل اخوتك واسرتك التى تركتها هنا وهربت من كل مايربطك بالعقل. اذا كنت مدمنا للخروج من هنا, فلا تغادر الا اذا كنت حاصلا على ما يثبت حقك ويطمئن قلب ذويك. لكن هل صارت الحياة في بلدنا ذريعة للانتحار غرقا في بحر العجم متمسكا بوهم لم تره ؟ لا أظن سوى قلب يائس وعقل اعتاد الاتكال ان يهرب من مقامه دون ترميمه لانه اكسل من ان يحاول ترميم مسكنه .

هناك تعليقان (٢):

سكوت هنصوت يقول...

مقال قيم جدا...

لكن الا ترى معي ان هذه البلد اصبحت تطرد اهلها.
ان المواطن الذي يعمل كسائق تاكس او يغسل صحونا في اي دولة اوروبية يشعر بأدميتة أكثر من اي مواطن مصري معرض في أي لحظة ان تأتي البلدية فتطير دكانة, او يتعرض لمضايقات من امين شرطة لا يجيد حتى القراءة والكتابة....ان افتقاد الأمان يا اخي الكريم هو ما يدفع الجميع الى الهروب بأي ثمن من هذه الديار التي لم نعد نأمن فيها على انفسنا و اموالنا...

أبو الفـــداء يقول...

أظن أن هناك بعض الحق مع الكاتب أعلاه...
فالبعض يفضل السفر على الموت...

موضوع جيد للنقاش يا أستاذ أحمد..

شكرا لك