الخميس، ٢٥ أكتوبر ٢٠٠٧

أيها الكادحون

أيها الكادحون


ظللت لعدة أيام, أنتظر, لفكرة مقال تطاردني حتى الكتابة, فالمفترض أن يكون المقال نابع عن تصور يكون حلاً لمشكلة راهنة أو صورة أفضل لوضع واقع. ومرت فترة تلو الفترة, لم تكن المشكلة في التصور في حد ذاته أو المعطيات الواقعية التى تجعل من هذا التصور واقعياً لا خيالياً أوجهلاً بنتائجه المرغوبة, لكن كانت المشكلة, لمن أكتب؟
من ذا الذي أبتغي له هذا التصور؟ كانت الأجابة حاضرة, للمواطن المصري المغلوب, الكادح, الفاقد لقوت يومه لفقدان الجنيه العزيز القيمة الفعلية له في السوق. لكن وأسفاه, لم أجد هذا المواطن موجوداً, ببساطة لقد أختار هو الأختفاء. بمفرده, قرر أن يذهب بعيداً عن كل ما يحيط به, أرتضى أن ترمي به أمواج البحر على شطآن صخرية, لا يعلن انزعاجه من ذاك أو ذاك, فحجته انه لم يوجد نفسه داخل تلك الأمواج.
شرفاء المعارضة والمثقفون يكدحون ليلاً ونهاراً, سراً وجهاراً, لتمكين هذا المواطن محدود الدخل من أن يحيا في وضع أفضل, تجمهروا له وتظاهروا له, حتى انهم في كثير من الأوقات أعتقلوا له وانهالت عليهم الضراوات أيضا له, لكن أين كان السيد الموظف محدود الدخل؟ كان يبتاع الجرائد القومية ليقوم بحل الكلمات المتقاطعة لتسلية وقته في عمله. بعض الصحف المستقلة أيقنت تلك المسلمة الغائبة عن عقول المشغولون بالصراع من أجله, فقامت باستيراد لعبة السدوكو اليابانية من أجله, ثم أتت بها الصحف القومية حتى لا تخسر مبيعاتها التى تعمتد على ذلك.
الكل يحمل هم الموظف المكدوح محدود الدخل, الكل يسعى لتحسين وضعه, ثم يغادر هو القاعة في وداعة دون القاء تحية الوداع. هذا المواطن صار يحمل هماً واحداً, كيف يوفق بين العلاوة وزيادة الأسعار متناسياً عن قصد أن العلاوة حق له, وأن ارتفاع الأسعار ليس حق مكتسب في كل سنة مالية للتاجر. يمط دائماً شفتيه كاظماً غيظه عن حاله وواقعه, لكنه لا يحرك الا قلماً له يعلم به كافة اجابات الكلمات المتاقطعة عن ظهر قلب, ليس عن ثقافة واسعة الاطلاع, انما هو الاعتياد, صار وجوده عادة, كينونته أكتسبها عن الأعتياد لا الأختيار.
دائماً ما أتسائل ما السبب أن كافة القطاعات تنظم اعتصامات للحصول على أوضاع أفضل, العمال, المعلمين ما عدا الموظفين؟ أرى السبب في الصورة الرسمية الفرعونية والتى توارثناها من قرون, صورة الكاتب المصري, ذاك الرجل الجالس ذو الوجه الصامت دائما,الراضي دائما, انما هو الكتاب القابع على رجليه, انما هو حياته, لا يفارق أحدهما الاخر الا حين المعاش.
يا عزيزي الموظف نظرة شفقة الى الشرفاء, ناقشهم, خالفهم أو وافقهم, لكن لا تترك ساحة الأرض باقية دون أن تمر بها, ان المبتغى من كل هذا هو أنت, ان شرفاء المعارضة لا يقاتلون من أجلهم فقط, بل لكل مواطن مصري يبتغي عملاً حسناً وماءاً نقياً وطعاماً شهياً. اخواني وآبائي الكادحون, تمّلكوا حياتكم ومصائركم, قفوا مع مصالحكم والمطالبين بها, عارضوا من أضاعها بتهوره واستهتاره بها.